بقلم : محمود حرشاني
كاتب وإعلامي تونسي
كاتب وإعلامي تونسي
***بحث من كتاب يصدر قريبا
لأهل البادية وسكان الأرياف في تونس عادات وتقاليد يتميزون بها عن سكان الحضر في
معاملاتهم اليومية وطرق عيشهم ولباسهم وحتى في أكلهم وتسميات أواني الأكل. كما أن
لهم مصطلحات وتسميات يستعملونها في تعاملهم اليومي تختلف بالضرورة من منطقة إلى
أخرى. كما تختلف عن المصطلحات المستعملة في المدن والحواضر.
ولا تزال اللهجة البدوية والتسميات التي يطلقها أهل البادية في تونس على بعض المواد
والأواني المنزلية واستعمالاتهم الفلاحية في حاجة إلى دراسة معمقة تستكشف بواطن هذه
المصطلحات ودلالاتها المعرفية والاجتماعية وسياقاتها التاريخية.
وسوف نتعرض في هذا البحث إلى بعض هذه المصطلحات والتسميات التي تختلف من
منطقة ريفية إلى أخرى محاولين كذلك الاستنجاد ببعض الأمثال الشعبية التي يَردُ فيها ذكر
هذه المصطلحات أو أبيات من الشعر الشعبي للدلالة على تداول هذه التسميات وجريانها
على الألسنة.
اختلاف اللهجات من مدينة إلى أخرى
وسنتوقف قبل ذلك عند جانب مهم من جوانب هذا البحث، ويتعلق باختلاف اللهجات وكيفية
نطق الأشياء من جهة إلى أخرى.
فلا يغيب عن الذهن أن لهجة أهالي وسكان صفاقس العاصمة الاقتصادية للبلاد تختلف عن
لهجة سكان المدن الأخرى، وهو موضوع نراه غائبا مع الأسف عن الدراسات
الأنتروبولوجية واهتمامات الباحثين في محور اللهجات، فلأهل صفاقس وسكانها طريقتهم
الخاصة في نطق الأشياء أو ما يعرف باللهجة الصفاقسية التي تكاد تكون حصرا عليهم.
فهي تمتاز ببعض الحلة في النطق والضغط على بعض العبارات لتخرج من أفواه
الصفاقسية بطريقة فريدة لا يتقنها عامة الناس.
* مسلسل ;نسيبتي العزيزة; مثالا
ونحن بصدد الحديث عن اختلاف اللهجات من سكان منطقة تونسية إلى أخرى، لا تجد مثالا
لا أروع ولا أصدق من المسلسل التلفزيوني //نسيبتي العزيزة //; الذي أنتجه منذ سنوات قناة
نسمة التلفزية وأبدع في كتابته الفنان المسرحي يونس الفارحي بالاشتراك مع الممثل
فرحات هنانة والذي يلعب في المسلسل شخصية ببوشة، بائع الملابس القديمة والذي تزوج
من ;خميسة; ابنة خاله وخالته وشقيقة &;الفاهم; الأبله الذي يعيش مع ببوشة وينغّص عليه
حياته، وثلاثتهم يمثلون المجتمع البدوي أو الريفي الذي ينتقل إلى الحاضرة أو المدينة،
وتعيش معه عادات وتقاليد المنطقة التي انحدر منها، في الأكل واللباس والسلوك اليومي
والطباع والمعاملات اليومية.
وفي الجانب الآخر المقابل نجد عائلة حسونة صاحب الوكالة العقارية ويقوم بهذا الدور
الممثل المرحوم سفيان الشعري في الجزء الأول من المسلسل وزوجته جياة والتي تقوم بهذا
الدور الفنانة كوثر الباردي التي تضغط بكل الطرق على زوجها ليستقدم لها أمها وشقيقها
وتقوم بدور الأم الممثلة القديرة منى نورالدين ويقوم بدور الشقيق أو شخصية المنجي الفنان
فرحات هنانة.
ما يهمنا هنا في ذكر المسلسل هو إتقان الممثلة منى نورالدين للهجة الصفاقسية لأنها تمثل
دور أم صفاقسية تترك بيتها في صفاقس لتعيش مع ابنتها في تونس، ولكنها لا تتخلى عن
لهجتها الصفاقسية وطباعها، وشقيقها محسن الشيخ المسن والذي نجده يحن إلى الزواج مرة
بعد مرة ولا يجد في ذلك حرجا رغم تقدم سنه.
لقد استطاعت الفنانة القديرة منى نورالدين وكذلك ابنها المنجي الفنان فرحات هنانة أن
يتحدثا في المسلسل بلهجة صفاقسية خالية من العيوب.
وفي المقابل تجد عائلة ببوشة المتكونة من خاله وصهره العيد والد زوجته خميسة والتي
قامت بدورها بإتقان كبير الفنانة سماح الدشراوي والتي عاشت سنين طفولتها وشبابها في
قريتهم الريفية البعيدة والمغرمة بمتابعة المسلسلات التلفزية المصرية والتركية وتحفظ
أدوار الممثلين وتستعملها في حديثها مع زوجها ببوشة لتقنعه مرة بعد مرة أنها تثقفت من
خلال متابعة المسلسلات التلفزية التي دخلت كل بيت. اما شقيقها الفاهم فهو يمثل دور
الشخصية الساذجة البلهاء والذي يستغل علاقته ببوشة باعتباره زوج أخته وابن خالته وخاله
ليدبرله المقالب وهو يحافظ على لهجته الريفية وسلوكه الريفي.
في هذا المسلسل نلاحظ توفق الكاتب إلى استعمال لهجات متعددة بحسب كل شخصية في
المسلسل، وهذا من عناصر إثراء هذا العمل الذي نجح والدليل هو تكرار عرضه مرات
عديدة ولا يزال يعرض إلى اليوم على القناة التلفزية التي أنتجته.
* اختلاف اللهجات في الأعمال الدرامية والأدبية
وقليلة هي الأعمال الدرامية أو الأدبية التي اهتمت بموضوع اختلاف اللهجة في تونس،
ومثلما ذكرنا فإن لأهل صفاقس لهجة خاصة أو طريقة خاصة في نطق الكلمات. فلا بد من
القول أيضا أن سكان الجريد لهم لهجتهم الخاصة التي تختلف عن سائر اللهجات الأخرى.
وهنا نذكر أن مسرحية ;حمة الجريدي; التي انتجبها وقدمتها منذ سنوات فرقة مسرح
3
الجنوب بقفصة والتي كتب نصها الشاعر والصحفي المرحوم أحمد عامر وأخرجها مسرحيا
الفنان عبدالقادر مقداد، استطاعت بذكاء ان تقدم اللهجة الجريدية وأن تنجح في ذلك نجاحا
كبيرا وخاصة من خلال دور حمة الجريدي المؤدب، كما نجحت مسرحية ;فيران الداموس;
لنفس الفرقة أي فرقة مسرح الجنوب بقفصة وكتبها الشاعر محمد عمار شعابنية، والتي
تحكي عن ظروف عمال المناجم في مناطق المتلوي والرديف وأم العرائس، تنجح في نقل
ما تمتاز به لهجة سكان هذه المناطق المنجمية والتي تختلف عن سائر اللهجة الأخرى. كما
أن سكان الجنوب الشرقي مدنين وقابس وتطاوين وأيضا سكان جربة لهجتهم الخاصة في
الأعمال الأدبية.
في عدد من الأعمال الأدبية التونسية من الروايات خاصة نجد حضورا طاغيا للهجات عدة
مدن تونس وقاموسهم الذي يختلف من جهة إلى أخرى.
وكم كان الروائي الكبير محمد الباردي 1 وفيا للهجة أهل قابس وهو أصيلها في أعماله
الروائية العديدة وخاصة رواية ;قمح افريقيا; ورواية;حوش خريف; وكذلك الأمر بالنسبة
للروائي عبد القادر بن الحاج نصر 2 في العديد من رواياته وخاصة روايات ;ساحة
الطرميل و;مقهى الفن; و ;قنديل باب المدينة;. كما كان الأديب الراحل محمد الصالح
الجابري 4 بارعا في تصوير عادات وتقاليد منطقة زمرا في الجنوب التونسي في رواية ;يوم
من أيام زمر;، وتحضر اللهجة الجريدية في روايته ;المزطول; لصالح الحاجة 5 وروايته
;الدقلة في عراجينها; للبشير خريف.
كما لم تهمل الأغاني التونسية موضوع اللهجة التونسية واختلافها من منطقة إلى أخرى، بل
أن الأغنية التونسية هي أصدق مثال على ثراء اللهجات التونسية واستعمالها للمفردات التي
يستعملها أهالي البادية والريف في معاملاتهم اليومية. وقد وثقنا في بحثنا الأول عن حضور
المدن في الأغاني التونسية وكذلك في بحثنا الثاني عن حضور الحلي وملابس المرأة في
الأغنية التونسية على عشرات المصطلحات التي يستعملها أهل البادية والريف في
معاملاتهم اليومية مضمنة في نصوص هذه الأغاني التي تغنى بها الفنانون التونسيون. وكما
أكد لنا الباحث وأستاذ التاريخ عبدالواحد المكني 6 في حوار خاص أجريته معه ;أن الأغنية
التونسية تعتبر أصدق تعبير عن التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي عاشها المجتمع
التونسي واختلاف اللهجات المستعملة من منطقة إلى أخرى، لما يمثل إثراء لهذا الرصيد
اللغوي الشفوي الذي نجده في تونس... هناك مفردات عديدة تُعدّ بالمئات نجدها تتكرر في
أكثر من منطقة ولكن هناك مصطلحات وتسميات لأشياء عديدة تختص بها مدينة دون
أخرى. وهذا ما يتطلب من الباحثين وعلماء الاجتماع دراسة هذا الجانب المهم من ثقافة
الشعب التونسي.
* من قاموس البادية في تونس
نعتقد أنه بات من الضروري اليوم، وضع قاموس للمفردات المتداولة في الأرياف التونسية
والمرتبطة بطريقة عيشهم واستعمالاتهم اليومية، خصوصا وأن بعض هذه المصطلحات
عصية الفهم على العامة من منطقة تونسية إلى أخرى، فما بالك بغير التونسيين الذين
يجدون صعوبة في فهم هذه المصطلحات، وقد قام منذ سنوات الأستاذ الجامعي المرحوم
الهادي البالغ 7 بجمع كمّ هائل من الأمثال التونسية المتداولة ومقارنة هذه الأمثال بما يناسبها
في اللغة العربية الفصيحة وكذلك الأمثال القريبة منها في اللغات الأخرى وخاصة اللغة
الفرنسية.
كما قام الأستاذ الجامعي أحمد الخصخوصي بجهد كبير يحسب له في جمع أغاني الأعراس
في برّ الهمامة، ونشرها بلغتها المتداولة وشرح ما استعصى فيها من ألفاظ وعبارات
وتراكيب، وكذلك فعل الباحث لزهر بلوافي في كتابه ;التراث اللامادي في برّ المهاذبة;
ومثل هذه الأعمال التي قامت على الجهد الفردي لأصحابها مع تشجيع وزارة الشؤون
الثقافية، تفتح الباب للقيام بمجهود أكبر يتجه نحو إعداد قاموس شامل للتراكيب
والمصطلحات المتداولة في الأرياف التونسية. فمصطلح "اكيتي... اكيتي" الذي يتكرر في
مسلسل نسيبتي العزيزة مثلا والذي يقابله في العربية;عجبي عجبي. ويقال عند
الاستغراب من وقوع شيء غير متوقع أي التعبير عن الدهشة من وقوع الشيء، لا نخاله
يفهم ... بسهولة في بعض المدن التونسية فضلا عن الملتقى العربي.... وعبارة ;المراح
التي ترد في أغنية الفنان علي الرياحي;يا شاقة المراح يختلف معناها من منطقة إلى
أخرى، وكذلك عبارة ;الهنشير; والتي ترد هي أيضا في إحدى أغاني الفنان علي الرياحي
;زينة يا بنت الهنشير; والتي كتبها الشاعر محمود بروقيبة. والهنشير هنا يعني الجنائن
الخضراء الكثيفة الأشجار. وفي أكثر من أغنية تونسية ترد كلمات وعبارات تدل على
الخصب والمحصول الوفير مثلما نجده في أغنية الفنانة زهيرة سالم والتي تتغنى بمدينة
باجة ;باجة بلاد المندرة والصابة; ومصطلح ;المندرة; في الدارجة التونسية يعني البيدر،
المكان الذي يجمع فيه القمح بعد حصاده ليتم بعد ذلك دكّه لتخليص القمح من التين بواسطة
;الجاروشة; والجاروشة التي هي عبارة عن صندوق خشبي يجره حصانان في العادة
ركبت عجلات مسنة قادرة على تحويل سنابل القمح بعد طرحها أرصا في شكر دائري إلى
تبن وقمح ليتم بعد ذلك تخليص القمح من هذا التبنن هذا النّورج يسمى في المصطلحات
الريفية التونسية بالجاروشة. وسنتعرض الآن إلى بعض المصطلحات من قاموس البادية
التونسية والمرتبطة بسنوات الخصب والرخاء.
- محراث جموسي : هذا المحراث هو محراث تقليدي يستعمله الفلاح التونسي في حراثة
أرضه وعادة ما يجره جمل أو حصان ويسمى بمحراث الجموسي نسبة إلى صانعه الأول
وهو نجار بصفاقس يحمل إسم الجموسي وهذا اللقب هو من الألقاب المشهورة والمنتشرة
كثيرا في صفاقس.
- البيدون او بيدون : وعاء فارغ عادة يكون من البلاستيك أو المعدن باحجام مختلفة،
ويطلق هذا المصطلح خاصة في مناطق الوسط والجنوب.
- الكدرون : لباس صوفي فوقي للرجال متعدد الألوان، يختص بلباسه أهل الساحل.
- القشابية : لباس صوفي رجالي من الصوف الأبيض أو الأسود، يلبسه الرجال خاصة في
فصل الشتاء ليقيهم البرد لأنه يلف كامل الجسم ويقابله الكدرون بالنسبة لسكان الساحل.
- البنطوف : خف خفيف الوزن يلبسه الرجال في الأقدام وبعض المناطق يكون من
الصوف.
- الزنبيل : يصنع عادة من نبات الحلفاء ويستعمله سكان الأرياف أو البوادي في نقل
المحاصيل ويحمل بواسطة الدواب وخاصة الأحمرة، ويتكون من حاويتين مشدودتين إلى
بعضهما.
- الطاجين : يصنع من مادة الطين في شكل دائري يستعمل لطهي الخبز التقليدي في
الأرياف أو ما يعرف بالكسرة، وهو نوع من الخبز التقليدي تعده النساء في المنازل. وهناك
مثل متداول يقول : ;ملس من طينك يطلع طاجينك إذا ما جاء برمة يجي كسكاس;
- البرنوس : لباس رجالي صوفي يلبسه الرجال في فصل الشتاء وتقابله بالعربية تسمية
برنس ويعد من متممات لباس الرجال في الأرياف.
- الكبوس : هو ما يعرف في اللغة العربية بالشاشية واللون الغالب هو اللون الأحمر،
ويرتدي الرجال الكبوس لتغطية الرأس.
- سطل أو السطل : إناء لجلب الماء يسع حوالي 5 لتر ويكون عادة من المعدن، وهناك
أيضا احجام صغرى ويضرب به المثل في بعض المناطق عند وصف إنسان أو شخص
خاوي التفكير، فيقال عنه إنسان سطل.
- المهراس : من الأواني المنزلية يستعمل لدق الأشياء الصلبة بواسطة مدق حديدي يكون
من نفس معدن المهراس، وفي بعض المناطق يقال فلان مهراس أي أبله أو عديم التفكير.
- القمع : من البلاستيك أو المعدن وهو من الأواني المنزلية التي تستعمل عند ملء عبوات
الزيت أو مواد سائلة أخرى من إناء أكبر حجما حتى لا يضيع الزيت. ويقال في بعض
المناطق، فلان كالقمع أي أنه يردد الأشياء دون أن يستعمل تفكيره، فهو هنا مجرد أداة للنقل
لا غير.
- الرحى : أداة تقليدية لرحي القمح، تكون عادة من الحجارة في شكل دائري على طبقتين
وبها ثقب من الوسط أين يتم وضع القمح فيتم ذكه ورحيه ليتحول إلى دقيق عندما تتم إدارة
الحجارة الفوقية فيطحن القمح بين فكي الرحى. ولم تعد الرحى مستعملة اليوم بكثرة فقد
عوضتها الطاحونة العصرية الكهربائية.
- الكرموس : يعني غلال التين الناضجة وهي باللون الأخضر واللون الأسود.
- الزلوز : هو ثمار اللون باللهجة الصفاقسية.
* تعدد وتنوع اللهجات من منطقة تونسية إلى أخرى
سوف نسوق هنا مجموعة من الأمثلة عن تنوع اللهجات وتعددها من منطقة تونسية إلى
أخرى. ولنأخذ مثلا لفظ ;أنا; فهذا اللفظ ينطق بأشكال مختلفة من الاستعمالات اليومية من
منطقة تونسية إلى أخرى.
ففي قابس والجنوب الشرقي ينطقونه هكذا ;أني; وفي الساحل ينطقونه هكذا بمد حرف
الألف ;آني; وفي جهات الوسط ينطقونه هكذا;أنا; ترك فراغ طويل بين حرف الألف
وحرف النون.
وفي جربة جزية الأحلام يضيفون حرف الباء إلى بعض المصطلحات والكلمات فتأتي
العبارة عندهم هكذا. لنأخذ مثلا كلمة ;أنام; فيقولون ;أن بالنام; ولنأخذ عبارة أخرى ;نغني
فيقولون ;أنا بنغني; أي انهم يضيفون حرف الباء إلى بداية الكلمة.
وفي بعض أرياف الوسط والجنوب يضيفون إلى العبارة الدالة على القيام بالشيء عبارة
;باش; فتأتي هكذا;باش نعمل; أو;باش نجيب;. وفي هذه المناطق عبارة ;فكّ عليّ; تعني
;كفى; ويقولون عن الفتاة التي لم تتزوج بعد وبلغت سن الزواج ;هسكة; أي اكتمل نضجها.
وهناك بعض الكلمات والمصطلحات ليس لها نفس المدلول من جهة إلى أخرى، بل أن
استعمالها يكون مقبولا في جهة أو مستهجنا أو يدعو إلى الخجل عند نطقه في منطقة أو
جهة أخرى.
ومؤخرا مثلا انتشرت عبارة ;شنعها; في ومضة إشهارية تروّج لإحدى شركات الاتصال
بمناسبة كأس العالم، هذه العبارة ;عبارة ;شنعها; عبارة مستهجنة وقبيحة في الأرياف
التونسية وهي وصف للمرأة سيئة السيرة والسمعة
الحواضر لا تعني كلمة مستهجنة وإنما تعني دعوة إلى الفرح وهو أمر غريب.
7
إن الحاجة تدعو اليوم إلى التفكير بجدية في وضع قاموس للهجات والمصطلحات التونسية
المستعملة بشكل يومي في القرى والمداشر، فذلك من صميم الاهتمام بالتراث اللامادي الذي
يتطلب عناية كبيرة لجمعه سواء كان الأمر يتعلق بالمصطلحات والتراكيب أو بالأمثال
الشعبية أو باللباس وكذلك الأغاني الريفية التي يرددها عادة النسوة في الأعراس
والمناسبات العائلية. وهذا لعمري من أوكد الواجبات التي يجب أن يتجه إليها إهتمام الجهات
الرسمية في تونس اليوم من مؤسسات حكومية وجمعيات ومؤسسات ثقافية وجامعات وفي
المقدمة وزارة الشؤون الثقافية...
ولقد سبق لنا أن دعونا منذ سنوات في مقالات نشرناها بالصحافة التونسية إلى إحداث
مسالك بحث ودراسة في المؤسسات الجامعية تعنى بكل ما هو ثقافة شعبية في تونس
وتشجيع النشر في مجال جمع هذا التراث المتعدد الجوانب وحفظه من الضياع والتلاشي.
* طريقة نطق حرف القاف من جهة إلى أخرى
تختلف طريقة نطق حرف القاف في سياق الكلام من مدينة إلى أخرى ومن البوادي إلى
الحواضر. وإذ يحافظ أهل صفاقس والساحل والعاصمة على نطق حرف القاف مضخمة
كقولهم ;قال لي أو قتلو. فإن حرف القاف ينطلق في مدن تونسية أخرى مخففة أي ;ق;
مخففة وهذت نجده في مناطق الوسط والجنوب والشمال خاصة.
كما تختلف اللهجة القفصية، نسبة إلى ولاية قفصة عن الكثير من اللهجات الأخرى ولأهل
قفصة خصوصياتهم في نطق العديد من العبارات وكذلك لهم مصطلحاتهم الخاصة التي
يتميزون بها عن سائر الجهات الأخرى. وقد حاولت عديد الأعمال الدرامية والأدبية أن
تقترب من اللهجة القفصية وخاصة في ما تقدمه فرقة مسرح الجنوب بقفصة من أعمال
مسرحية. ويلمس المتتبع لعديد البرامج الإذاعية التي تقدم باللهجة الدارجة في إذاعة قفصة
الجهوية خصوصيات هذه اللهجة وطرافتها في آن. وبذلك تساهم إذاعة قفصة في التوثيق
والترويج للهجة القفصية وما تمتاز به.
أما في مدن الشمال الغربي، فإن لهجة أبناء الشمال تكاد تكون متقاربة ما عدا بعض
الاختلافات من مدينة إلى أخرى مثل الكاف أو باجة أو جندوبة.
* استبدال بعض العبارات بنقيضها
في عدد من مناطق البلاد التونسية، وخاصة في المناطق الريفية، ما زال عدد من السكان
يحرصون على استبدال بعض العبارات عند نطقها صباحا بعبارات تدل على عكسها تمام،
فهم يعتقدون أن نطق هذه العبارات صباحا خاصة لا تبعث على التفاؤل.. فمثلا إذا أراد
أحدهم الحصول على مادة الملح من عند أحد التجار فهم يقولون له ;هل عندك ربح; عوض
أن يقولوا له;هل عندك ماح; وهي عبارة ألطف من عبارة الملح خاصة إذا كان ذلك في
الصباح، وكذلك تقول الجارة لجارتها إذا أرادت أن تحصل منها على كمية من الملح فتبدل
عبارة الملح بعبارة الربح.
وفي بعض المناطق الأخرى إذا قصد أحدهم بائع الفحم فيستبدل في طلبه عبارة الفحم
بعبارة;البياض; فيقو له ;عندك بياض; عوض أن يقول له هل عندك فحم وهو بذلك
يعتقد أن اللون الأبيض هو لون التفاؤل عوض اللون الأسود الذي يغلب على لون الفحم
المستخرج من الحطب. وفي بعض المناطق الريفية من البلاد التونسية يتجنبون إلى اليوم
النطق بعبارة ;مسكّر; أي مغلق ويستبدلونها بعبارة ;مزيّن; فيقولون ;وجدت الدكان مزيّن
عوض أن يقولوا ;وجدت الدكان مسكّر; أي مغلق. وما زالت عبارة ;الشيشمة; أي الحنفية
منتشرة في عديد المناطق الريفية والبوادي التونسية. وقبل أن يعم النور الكهربائي اليوم
أغلب المدن والمناطق الريفية في البلاد التونسية كان السكان يعتمدون على وسائل إنارة
تقليدية التي لم تعد موجودة اليوم، ولكنها تبقى جزءا من ذاكرة التاريخ الجماعي مثل
;الكربيلة; و ;القازة; و ;البريميس;، وهي وسائل إنارة تقليدية عوضها اليوم النور
الكهربائي الذي أصبح ف كل المنازل تقريبا.
9
خاتمـــــــــــــــــــــة
لقد مرّ المجتمع التونسي بعدة تحولات اقتصادية واجتماعية وساهم انتشار التعليم بقدر واسع
في تحقيق نقلة نوعية في مستوى عيش المواطن التونسي، وانعكس ذلك على اللهجات
التونسية فأصبحت اللهجات التي كانت تختلف من منطقة إلى أخرى متقاربة وقريبة إلى
اللغة العربية الفصحى، واختفت بعض العبارات والمصطلحات التي كانت موجودة من قبل
وأصبح استحضار هذه العبارات والمصطلحات في الأعمال الدرامية والمسلسلات
الرمضانية في الإذاعات والقنوات التلفزية، من باب العودة إلى ذلك التراث الجماعي.
ولا شك أن الشعر الشعبي أو الشعر باللهجة التونسية المتداولة ساهم في حفظ الكثير من هذه
المصطلحات في ما أبدعه الشعراء الشعبيون من قصائد وأشعار.
--------------------
المراجع
1 - كاتب وروائي تونس، له عديد الأعمال الروائية، من أشهرها حوش خريف وقمح افريقيا وهو مؤسس مركز الرواية العربية بقابس - متوفى.
2 - روائي وكاتب تونسي، له عديد الأعمال الروائية.
3 - موقع في مدينة قفصة.
4 - كاتب قصصي وروائي تونس، متوفى.
5 - كاتب وصحفي تونسي، نشر عديد الأعمال الأدبية، وهو مؤسس ومدير صحيفة الصريح التونسية.
6 - كاتب وأستاذ تاريخ، صدرت له عديد المؤلفات في مجال التاريخ، آخرها كتاب ;توارخ وتاريخ زمن الأبيض والأسود وزمن الألوان.
7 -أستاذ بالجامعة التونسية، توفي منذ سنتين، كانت له عديد المساهمات في جمع التراث الشفوي وخاصة الأمثال الشعبية.
8 - نص الأغنية في كتاب علي الرياحي، سلسلة نجوم الفن، تأليف عبدالمنعم يوسف.